الحرب الروسية–الأوكرانية تضع الأمن الغذائي العربي على المحك
عندما أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا منذ أقل من شهر، اتجهت إليها كافة الأنظار إما لتتابع مجرياتها أو لرصد تداعياتها المختلفة، محلياً وإقليمياً ودولياً. ورغم أن هذه الحرب تدور رحاها على أرض أوروبية خالصة، فإن أسرع تداعياتها الاقتصادية ظهرت على بُعد آلاف الأميال من ساحات معاركها، وتحديداً في المنطقة العربية. ولا غرابة في هذا في ظل ارتباط طرفي الصراع بدول المنطقة العربية بعلاقات تجارية وثيقة ومتنامية، وتحديداً في قطاع الأمن الغذائي.
ونتيجة لضخامة ما تستورده دول عربية عديدة من روسيا وأوكرانيا من الواردات الغذائية، ولاسيما واردات القمح؛ فلقد وضعت الحرب الروسية-الأوكرانية الأمن الغذائي العربي على المحك وتركته أمام تحد حقيقي لم ينحصر فقط في الارتفاع الشديد الذي شهدته-ومازالت-أسعار مواد الغذاء في أسواق عربية عديدة، بل وكذلك وصول تأثير هذه الحرب إلى المخزونات الاستراتيجية من هذه المواد التي تدنت مستوياتها إلى مستويات حرجة.
فإذا كان الاقتصاد المصري هو الأكبر عالمياً في استيراد القمح، فإنه بات مهدداً بحدوث اضطراب شديد في تدعيم ما لديه من مخزونات في الشهور القليلة القادمة إذا ما استمر هذا الصراع أو اتسعت رقعته.
وما ينطبق على الوضع المصري ينطبق مثله على بلدان عربية عديدة؛ ولبنان وليبيا واليمن أمثلة واضحة على ذلك. ففي هذه الدول، تمثل واردات القمح من أوكرانيا، المكلومة بالحرب، نسبة مرتفعة من إجمالي ما يستهلكه السوق المحلي في هذه الدول.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مخاطر الانكشاف الغذائي العربي قد بدأت في الظهور قبل نشوب هذه الحرب، وتحديداً عندما تقطعت سبل التجارة العالمية بفعل جائحة كورونا العالمية مطلع سنة 2020؛ وبالتالي، فالحرب الروسية-الأوكرانية لم تخلق هذه المخاطر الاقتصادية والاجتماعية من العدم، لكنها زادت من حدتها وأطالت من الأمد المحتمل لاستمرارها ثم فاقمت من تداعياتها السلبية على الأسعار المحلية في أغلب الأسواق العربية.
وإذا كانت المحصلة الاقتصادية للحرب الدائرة الآن على الأراضي الأوكرانية هي مزيد من اشتعال أسعار السلع الغذائية العربية، فإن الحاجة ملحة لتطوير برنامج وطني للطوارئ وسياسات تكاملية عربية، ليس لمواجهة هذه التداعيات واحتوائها أو التحوط ضد مزيد من ارتفاع أسعار سلة الغذاء فحسب، بل لمحاولة رأب الصدع المتنامي في جدار الأمن الغذائي العربي.
وسيكون التحدي الأساسي الذي يجب التعامل معه في هذا الصدد نابع من ثلاثة تحديات فرعية ومتداخلة فيما بينها: أولها هو كيفية تقصير المدى الزمني اللازم لمعالجة الانكشاف الغذائي العربي؛ وثانيها هو وسيلة اختيار أنسب البدائل الدولية لتوريد المواد الغذائية للأسواق العربية التي تعتمد بشدة حاليا على الواردات الأوكرانية، وثالثها، وأكثرها أهمية، هو طريقة تدبير التمويل الكافي لتعديل هياكل الإنتاج والتجارة العربية، لتتعزز مؤشرات الأمن الغذائي العربي ولتنزل مخاطر هذا الانكشاف لحدودها الدنيا في المستقبل العربي المنظور.